الحكومة في خدمة القنوات التلفزيّة الخادمة للحكومة..!!
أسرار قرار تصوير المسلسلات التلفزيّة في فترة الحجر الصحّي العامّ..!!
–
أثار قرار وزيرة الثقّافة شيراز العتيري الصّادر اليوم بالترخيص بتصوير مسلسلات تلفزيّة للقنوات التونسيّة أثناء فترة الحجر الصحّي العام.. الكثير من ردود الفعل الرافضة والمندّدة والمنتقدة..!!
إلاّ أنّ أغلب ردود الفعل انصبّت على الوزيرة بمفردها.. والحال أنّه طبقا للبلاغ الرسمي للوزارة.. فإنّ الوزيرة اتّخذته “تنفيذا لتعليمات السيّد رئيس الحكومة”.. وأنّ التصوير سيكون “بعد الإستجابة إلى الشروط المقرّرة بالتنسيق مع وزارة الصحّة..”.. كما جاء حرفيّا في مقدّمة البلاغ..!!
وبالتالي فإنّ مسؤوليّة القرار هي مشتركة بين رئيس الحكومة ووزيري الثقّافة والصحّة..!!!
–
أمّا قرار رئيس الحكومة في الموضوع.. والذي كان هو من أصدر التعليمات بحسب البلاغ.. فهو يؤكّد مرّة أخرى بأنّه يوجد لديه الكثير ممّن “على رأسهم ريشة بالفعل”.. خلافا لما زعمه في حواره التلفزي الأخير.. الذي كان بالمناسبة في قناة خاصّة (“الحوار التونسي”) تعدّ أبرز مستفيد من هذا القرار الغريب..!!
وطبعا أوّل من على رأسهم ريشة لا ينفخ عليها إلياس الفخفاخ.. هم أصحاب القنوات التلفزيّة الخاصّة الكبرى.. المؤثّرة والموجّهة للرأي العامّ..!!
فخلافا لما زوّقه بلاغ وزارة الثقّافة في ديباجته من أنّه “تنفيذا لتعليمات السيّد رئيس الحكومة وإيمانا بمكانة الإنتاجات الدراميّة الوطنيّة لدى العائلات التونسيّة ودورها في التخفيف من وطأة الانشغال بالوضع الصحّي على الصعيدين الوطني والدولي جرّاء انتشار فيروس كورونا المستجدّ وانعكاساته السلبيّة”..
فإنّ الواقع أنّ قرار السّماح بإتمام تصوير المسلسلات الدراميّة لشهر رمضان هو تجاريّ بحت.. وفائدته ماليّة بالدّرجة الأولى للقنوات التي ستقوم ببثّها.. ولا يقدّم أيّ خدمة خاصّة للعائلات التونسيّة..!!
بل أنّ العرض المعروف من عيّنة المسلسلات الدراميّة إيّاها التي شاهدناها طيلة المواسم الماضية.. تدلّ على أنّ حجب أغلبها هو أنفع من بثّها..!!!
بل وبعضها أخطر على المجتمع التونسي حتّى من فيروس الكورونا نفسها..!!
–
إنّ أفضل سوق إشهاريّة للإعلانات التلفزيّة تكون كما هو معروف بشهر رمضان المعظّم..
وتعدّ المسلسلات الدراميّة أبرز مصادر الجذب للإعلانات.. وتحقّق عائدات ماليّة ضخمة لأصحاب القنوات..
وإنّ عدم وجود إنتاجات جديدة في رمضان 2020 سيتسبّب في خسائر ماليّة فادحة لتلك القنوات.. لا سيما وأنّ هذه الموسم بالذات سيكون استثنائيّا بنسب مشاهدة غير مسبوقة.. مع ترجيح استمرار الحجر الصحّي العامّ أغلب شهر رمضان.. بما يعني عدم وجود خروج من المنزل منذ غروب الشّمس والإفطار.. ولن لتكون هناك صلاة تراويح في المساجد أو مقاهي أو مطاعم أو تجوّل أو تسوّق..!!
وسيتسمّر الناس بالملايين في ليالي رمضان أمام شاشات التلفزة.. لتحقّق نسب المشاهدة أرقاما قياسيّة غير مسبوقة..!!
هذه النسب القياسيّة المتوقّعة.. لم يتحمّل أصحاب القنوات التلفزيّة أن يخسروا فيها فرصة تاريخيّة لأرباح خياليّة.. فمارسوا ضغطا على رئيس الحكومة.. وعلى وزيرة الثقّافة.. !!!
–
من المعلوم أنّ لوبي القنوات التلفزيّة يمثّل حاليّا أقوى اللوبيّات الإعلاميّة المؤثّرة بشدّة في المشهد السياسي..
وبالتالي فإنّ قرار رئيس الحكومة بالإستجابة لطلبات وضغوط أصحاب القنوات التلفزيّة يهدف بالأساس إلى إرضائهم لكسب ودّهم.. وبالتالي الحصول على دعمهم السياسي..!!
وإلى توقّي غضبهم.. وبالتالي تجنّب معاداتهم له سياسيّا.. وتأليب الرأي العامّ ضدّه.. وضدّ سياسته..!!
يكتسي دعم الإعلام.. ولا سيما القنوات التلفزيّة.. أهميّة قصوى بالنسبة لشخصيّة سياسيّة غضّة وهشّة وضعيفة.. مثل إلياس الفخفاخ بالذّات.. لا تمتلك لا ثقلا سياسيّا قديما.. ولا زخمّا شعبيّا هائلا.. ومازال يتحسّس طريقه في محاولة لإثبات وجوده.. وإظهار استحقاقه لمنصب رئيس الحكومة.. وبالتالي فهو في حاجة اليوم لدعم إعلاميّ قويّ وفاعل.. وإلى حملة علاقات عامّة إعلاميّة ضخمة للتجميل والتزويق السياسي..!!
من المعلوم بأنّ إلياس الفخفاخ الذي جاء به يوسف الشاهد إلى السّلطة.. يملك دعما من قناة التاسعة.. بدا واضحا منذ فوزه بالتكليف واستلامه السّلطة.. باعتبارها قناة محسوبة في الأصل على عرّابه الشّاهد..!!
كما بدأ الفخفاخ في نفس الوقت محاولة كسب دعم وتأييد قناة “الحوار التونسي” أيضا.. والتي كانت سابقا معادية لسلفه يوسف الشاهد..!!
ولذلك اختار الفخفاخ أن يجري أوّل حوار تلفزيّ له كرئيس حكومة.. في نفس الوقت مع القناة الوطنيّة.. ومع قناة “سامي الفهري”.. كبادرة حسن نيّة اتّجاه القناة.. وتدلّ على بداية “التطبيع” بين الرّجلين..!!
وقد لاحظ المتفرّجون أنّ شراسة وعداء صحفيّي ومحلّلي البرنامج الإخباري لقناة “الحوار التونسي”.. المعتادة والشهيرة.. اختفت فجأة وتماما في تحليل آخر خطاب للفخفاخ بثّته قناتهم.. وشارك فيه صحفي منهم (حمزة البلّومي).. وأشادوا إجمالا بالخطاب وما جاء به.. وطبّلوا للفخفاخ ووعوده..!!!
–
اليوم.. يدرك جميع العارفين والملاحظين.. أنّ قرار رئيس الحكومة الصّادر بتفويض منه عن وزيرة الثقّافة.. باستئناف تصوير الأعمال التلفزيّة الرمضانيّة.. هو يصبّ أساسا في مصلحة قناتي “التاسعة” و”الحوار التونسي” بالذّات.. باعتبارها أبرز منتجي المسلسلات لرمضان 2020.. وأنّها تحتاج إلى التمويل والرّبح المالي لكونها قنوات خاصّة..!!
في حين أنّ المنتج الأبرز الآخر وهو القناة الوطنيّة.. مموّل من المال العمومي.. ويمكن أن يستغني استثنائيّا هذه السنة عن الدّراما.. وعن مداخيل إشهارات شهر رمضان..
–
من جهة أخرى فإنّ القرار الذي أصدرته شيراز العتيري وزيرة الثقّافة.. طبقا للبيان الرسمي ليس فقط “تنفيذا لتعليمات السيّد رئيس الحكومة” كما جاء حرفيّا في مقدّمة البلاغ.. وإنّما أيضا بأن يكون التصوير “بعد الإستجابة إلى الشروط المقرّرة بالتنسيق مع وزارة الصحّة..”..
أي أنّ وزارة الصحّة كانت على علم ووافقت.. ولكنّها وضعت فقط شروطا واحتياطات..!!
وحتّى تصريح وزير الصحّة عبد اللّطيف المكّي في إذاعة موازييك:
“بالمنطق الصحّي مانيش موافق على تصوير المسلسلات.. ماذابيّا “أن لا يتحرّك أيّ شخص”..” التي قالها بالفرنسيّة..
فإنّه لا يرقى إلى مستوى المعارضة الصّريحة.. والرّفض الرسميّ القاطع والصريح..!!
وإنّما عبّر عن مجرّد رأي بما كان يفضّله.. وعن عدم موافقته الشخصيّة على تصوير المسلسلات..
وهو ما يفهم من صيغة عبارته “بالمنطق الصحّي”.. أي وكأنّه بمنطق آخر فالأمر ممكن..!!
كان على عبد اللّطيف المكّي وباعتباره السّلطة المختصّة فنيّا وتقنيّا في المسألة كوزير للصحّة.. أن يرفض قطعيّا.. كسر الحجر الصحّي وتعريض حياة العاملين بالمسلسل إلى الخطر.. وتقديم نموذج سيّء للمواطنين عن استثناء وإعفاء للحجر الصحّي العام والشّامل غير مبرّر بالضّرورة القصوى مثل الأمن والغذاء والدّواء.. حتّى ولو كان القرار صادرا عن رئيس الحكومة..!!
في هذه الحالة فعلى رئيس الحكومة أن يستغلّ علويّة قراره على قرار وزير الصحّة.. ويفرض ما يشاء.. لكنّه سيتحمّل والحالة تلك تبعيّة قراره المتفرّد ومسؤوليّته أمام الرأي العامّ..!!
ولا يمكن الدّفع بضرورة خضوع وزير الصحّة لكلّ قرارات رئيس الحكومة.. خاصّة متى تعلّق الأمر بالخطر والأرواح البشريّة.. إذ تظهر التقاليد والممارسة السياسيّة في الدّول الديمقراطيّة ذات الأنظمة البرلمانيّة.. وفي الإئتلافات الحكوميّة الحاكمة المتكوّنة من عدّة أحزاب.. أنّه يمكن لوزير من حزب معيّن أن يخالف قرار رئيس الحكومة.. فينفّذ القرار بالرّغم عن ذلك باعتبار علويّة رئاسة الحكومة.. لكنّه يخرج للإعلام ويعلن للرّأي العام موقفه الصريح الرّافض وأنّه على رئيس الحكومة تحمّل مسؤوليّته عن ذلك شخصيّا هو وحزبه.. (طبعا الفخفاخ ليس له حزب)..!!!
–
فهل أنّ موقف وزير الصحّة عبد اللّطيف المكّي المتململ.. لكن غير الصّارم.. كان مرجعه فقط تجنّب مواجهة وخلاف مع رئيس الحكومة..؟؟!!
أم أنّ القرار وجد أيضا هوى في نفس المكّي باعتباره لا يريد بدوره أن يغضب أصحاب القنوات التلفزيّة الكبرى والمؤثّرة.. ولا أن يعاديها.. لحاجته إلى الدّعم الإعلامي والسّياسي لتلك القنوات..؟؟!!
–
وزيرة الثقّافة من جهتها.. تتحمّل بالتأكيد مسؤوليّة القرار.. حتّى وإن حاولت التهرّب منه في نصّ بلاغها بالقول بأنّه تنفيذا لتعليمات رئيس الحكومة..
وقد برّرت في تصريح إعلاميّ آخر قرارها بأنّ الكثير من الشركات والتلفزات تقوم بمواصلة تصوير مسلسلاتها خلسة.. بما يعني أنّ قرارها سيعدّل الأمر ويفرض ضوابط صحيّة على عملها السرّي..!!
بمعنى آخر.. أنّ وزيرة في الدّولة.. تعترف بأنّ شركات معروفة لقنوات تلفزيّة تونسيّة معروفة.. تقوم بخرق القانون بشكل فاضح ومعلوم.. وتصوّر مسلسلات تلفزيّة خلسة في خرق فاحش للحجر الصحّي..!!
لكن عوض أن تحاسبها بالقانون.. وتفرض عليها تطبيقه.. أو تقوم بتتبّعها وتعاقبها.. فإنّها تستصدر لها قرار من رئيس الحكومة بمواصلة العمل المخالف للتراتيب الصحيّة.. لتكمل جهرا ما بدأته سرّا..!!!
بقلم : عبد اللطيف درباله