قصص نجاح

الدكتورة سناء التريكي مختصة الأورام السرطانية.. طبيبة تزرع الأمل سبيلا للعلاج في سيدي بوزيد

“إن أردتَ الشفاءَ فاقصِدْ طَبيبا حَاذِقَاً ذا لطافةٍ وذكاء، واحترسْ أن يكونَ فَظَّاً غَلِيظا، إن لُطْفَ الطبيبِ نِصْفُ الدَّواء”. قيل عن الطبيب الكثير من الحكم والمقولات، التي تصف مزايا هذه المهنة النبيلة والخصال المطلوبة في من يمارسها. فالطبيب للمريض “ملاك رحمة”.
من معين هذا النبع الإنساني الذي يصنع خصوصية مهنة الطب، نهلت الدكتورة سناء التريكي، الطبيبة المختصة بطب الأورام بالمستشفى الجهوي بسيدي بوزيد، حيث تزاول عملها منذ شهر ماي 2016. فهي الطبيبة المختصة الوحيدة في الأورام السرطانية، التي باشرت عملها بهذا المستشفى الجهوي منذ ماي 2016، في إطار برنامج تعزيز المناطق الداخلية بأطباء الاختصاص، لتقريب الخدمة من المواطن، وهي تتواجد يوميا بالمستشفى، ما يحرمها من حقها في أيام راحتها، وإن تمكنت من الحصول على راحة، فإنها لا تتعدى أياما معدودات.

“تبذل كل وقتها وجهدها في سبيل التخفيف من آلام المرضى، وتغدق على مرضاها من الرحمة والحنان وحسن الأداء المهني والعلمي، ما يجعل الجميع يحبونها، وخاصة المرضى”، هكذا تحدثت المريضة (ح.ب) عن طبيبتها. وأضافت أنها انطلقت في رحلة العلاج مع الدكتورة سناء التريكي منذ شهر ديسمبر 2017 بعد أن كانت قد أجرت عمليتين جراحيتين لاستئصال ورم منذ سنة 2016، وبلغتها معلومة تفيد بوجود هذا الاختصاص بالمستشفى الجهوي بسيدي بوزيد، فواصلت رحلة علاجها على يدي الدكتورة التريكي.

تتجاوز علاقة المريضة (ح. ب) بطبيبتها حدود تقديم الخدمة الطبية لتفصح عن قدر وفير من المحبة والاحترام. تقول (ح.ب)، وهي مربية، إن “الدكتورة التريكي تتميز بابتسامة تزرع الامل عند فقده، وبتحفيزها لمرضاها على التحدي والتشبث بالحياة”، مضيفة أنها تنهل من شجاعتها وحبها للعمل. وأوضحت أنها تتلقى العلاج منذ أربع سنوات، لم تتعمد خلالها الغياب عن تلاميذها يوما، وتحرص على تلقي علاجها والتنقل لمواعيد المراقبة خارج أوقات عملها كأستاذة.

تبلغ الدكتورة سناء التريكي من العمر 38 سنة، وهي أم لطفلين، وتستقر عائلتها بولاية صفاقس. وقد اختارت منذ البداية التنقل اليومي صباحا في اتجاه سيدي بوزيد للقيام بعملها والعودة مساء أيام الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس والجمعة. قالت “أعاني يوميا مشقة التنقل ومخاطره والانتظار لساعات حتى يكتمل نصاب الراكبين والخروج الباكر، كي أتمكن من الوصول الى المستشفى في الوقت المحدد، ولكنني اخترت.. وسوف أتحمل هذه الظروف، لأنني مقتنعة بما أفعله”.

وعن كلفة البعد الجغرافي لموقع العمل أسريا، قالت التريكي إنها تحرم من عائلتها ومن متابعة طفليها الصغيرين وهما يكبران كل يوم بعيدا عنها. وثمنت مجهودات عائلتها الموسعة والصغيرة، التي تساعدها على تحمل هذه المسؤولية، لا سيما زوجها، الذي يتكفل بالعناية بطفليهما يوميا، بعد أن توفيت والدتها صيف 2019.

أكدت الطبيبة أنها وجدت من إدارة المستشفى ومن المشرفين على قسم الطب الباطني والإطار الطبي وشبه الطبي دعما كبيرا منذ توليها العمل. وثمنت بالخصوص مجهود الإطار شبه الطبي، الذي يقوم بتحضير الأدوية الكيميائية، ويداوم على تعاونه طيلة سنوات عملها رغم محدودية عدد أفراده. كما أثنت على تعاون الإدارة من حيث توفير الأدوية الكيميائية اللازمة لعلاج الأمراض المنتشرة، على غرار سرطان الثدي عند المرأة وسرطانات الجهاز الهضمي، مكبرة أيضا مجهودات الأطباء النفسانيين، الذين لا يترددون في مساعدة مرضاها.

كان المرضى يتنقلون إلى عدد من مستشفيات الولايات المجاورة لتلقي العلاج، ولكن منذ أن تم تعين الدكتورة سناء التريكي بمستشفى الجهة، قام زملاؤها بتوجيه المرضى للعلاج في المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد. وقد تطور عدد المرضى الذين تلقوا أدوية كيميائية من حوالي 24 مريضا سنة 2016 إلى حوالي 1000 مريض سنة 2019 .

تحاصر مرضا مميتا. قالت إن عدد الحالات التي أثرت فيها وآلمتها كثيرة، وخاصة منهم حالات المرضى صغار السن، الذين عادة ما تكون في كفالتهم عائلة. واكتشاف مرض السرطان في تونس، عادة ما يكون في مراحل متقدمة، ويكون المرض قد تمكن من الجسد. تقول، بحرقة، “إن المريض هو أكثر الناس حاجة إلى بث الأمل والطمأنينة في نفسه، حتى ولإن دنا أجله، كما أنه في حاجة إلى الكلمة الرقيقة والبسمة الحانية.. فالبسمة في وجه المريض ألزم وأوجب، لأن المريض معذور بمرضه، وهو في موضع ضعف شديد”.

ذكرت سناء التريكي أنها لن تنسى “حالتين تابعتهما لمريضين في سن 32 سنة كانا يعانيان المرض في آخر مراحله، حيث تبدى العجز عن طمأنتهما بكونهما سيعيشان لعائلتهما، وعن تقديم الأمل لهما في غد دون ألم”. وتابعت “موت المرضى مؤثر جدا، خاصة أنني أعايش آلامهم وأوجاعهم، ومحاربتهم للمرض ورغبتهم في العيش”، وقالت “إن الوجه الآخر، هو السعادة والفرحة التي تغمرني في حال الشفاء وتقلص المرض وزوال الخطر عن حياة مريض استعاد صحته وضحكته وأمله في الحياة”.

تابعت (وات) عمل الدكتورة سناء يومين متتاليين، شهد الأول دورة تكوينية لفائدة الإطار الطبي وشبه الطبي والإداري، في إطار حصص التكوين المستمر، بهدف التوعية والتثقيف حول أمراض الجهاز الهضمي في نطاق تظاهرة شهر “مارس الأزرق للتقصي والتوعية بسرطان القولون”. وقد ثمن رئيس مصلحة التكوين المستمر بالمستشفى الجهوي بسيدي بوزيد، منصور الملاغي، جهود الدكتورة التريكي وحرصها على تقديم الحصص التثقيفية للعاملين بالمستشفى، وما تقدمه من مساعدة على تقديم دورات تكوينية وحملات توعوية لفائدة المواطن في عدة مجالات، أهمها اختصاصها، ووصفها بأنها “نشطة وذات علاقة طيبة بمختلف الأطراف في المستشفى، وخاصة بالمرضى”. أما اليوم الثاني، فقد كان مخصصا للعيادة الخارجية.

تستقبل سناء التريكي في العيادة الخارجية مرضاها بالسؤال عن أحوالهم وجديدهم، تحافظ على ابتسامتها بين دموع المرضى وأحزانهم، لتزرع في أنفسهم الأمل، ولتحفزهم على التشبث بالحياة. يتم في العيادة الخارجية استقبال الراغبات في القيام بفحوصات لتقصي سرطان الثدي، وهناك من المرضى من استكمل العلاج الكيميائي وحصص التداوي بالأشعة، ومن يواصلون المراقبة، ومن يتلقون العلاج التلطيفي. كما يتم استقبال المرضى من الولايات الأخرى لتحديد مواعيد لفائدتهم، ودراسة ملفاتهم الطبية للانطلاق في تقديم الدواء الكيميائي.

ترى التريكي أن “الطبيب مدعو لأن يمثل منبع أمل للمرضى، وأن يحافظ على ابتسامته، لأن المريض يبحث عن الراحة في عيون ووجه طبيبه. فعادة، يقدم المريض ملفه، ويركز نظره على عين الطبيب وردود فعله، وهو ما يجعلها مداومة على الابتسام، لأن المريض، الذي تحمل المرض والألم وتعقيدات مختلف مراحل العلاج، من حقه، كما تقول “أن يحظى بشخص يسانده ويحفزه”.

مدير المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد، عادل السعيدي، اعتبر أن سناء التريكي طبيبة متميزة تقوم بدورها على أفضل وجه وهي الوحيدة المختصة في معالجة الأورام السرطانية بالمستشفى الجهوي، ما مكن من تقريب الخدمات من المرضى وتخفيف عبء التنقل عنهم، وهم الذين كانوا يتنقلون للمستشفيات الجامعية في ولايات مجاورة. وأشار إلى أن أغلب الإطارات الطبية وشبه الطبية بمستشفى سيدي بوزيد، هم من النساء، مثمنا مجهوداتهن في أداء الواجب المنوط بعهدتهن.

تطالب الدكتورة التريكي بتركيز وحدة خاصة بطب الأورام السرطانية متكونة من فريق مختص، وتوفير مختلف الإمكانات والتجهيزات، وتعيين طبيب مختص آخر لتقديم خدمات أفضل للمريض.

“مهنة الطب هي مهنة إنسانية بالأساس، وهي رسالة وأمانة لا بد أن تؤدى على أفضل وجه”، هكذا وصفت سناء التريكي ما تقوم به، ووجهت تحية لكل نساء العالم، وخاصة منهن نساء تونس، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، مرددة قولة الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد “نساء بلادي، نساء ونصف”.

كوثر الشايبي / وات سيدي بوزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error

Enjoy this blog? Please spread the word :)