على وادي “الظلام”، كما يسميه اهالي منطقة طنقار العليا بمعتمدية البطان من ولاية منوبة، انطلق الناشط في المجتمع المدني، كريم بن عرفة، وصاحب مبادرات بناء الجسور على الوديان، في تشييد جسر الامل، مستغلا في ذلك جذوع الاشجار وأغصانها الجافة التي تعج بها غابة جبل العروسية المحاذية له.
يمدّ كريم، صاحب المقاولات الصغرى، ابن ولاية سليانة، والذي تربى على العطاء وخدمة الغير، يده لمساعدة اكثر من 60 عائلة متفرقة على سفوح المنطقة الجبلية ليسهل عليهم عبورالوادي، بعيدا عن الاخطار التي كانت تتهددهم، وليؤمن وصولهم سالمين إلى الطريق الرئيسية التي تربطهم بمنطقتي برج التومي او طنقار، وذلك عبر بناء جسر صغير يمتد على طول 17 متر.
اشغال الجسر بلغت مراحل متقدمة، وهو ما أضفى على هذا المكان الطبيعي الجميل الكثير من موجات التفاؤل، وبعث في انفس الاهالي بصيص امل في ان يتغير حالهم الى الأفضل، باستغلال المنطقة الجبلية المحاذية لهم في خلق موارد رزق جديدة تمكنهم من العيش بكرامة.
تمّ إلى حد لآن، مدّ جذوع الاشجار على الارضية، بعد أن خابت المساعي مع شركة السكك الحديدية للحصول على سكة قديمة، وفق ما قاله الشاب المتطوع ل(وات)، كما انطلقت مرحلة تركيز السياج الحديدي ولحامه بالارضية الخرسانية، وتغليف الجسر بالاخشاب بعد ان تم بناء اسسه بالخرسانة الاسمنتية.
يقول كريم إن هذا الجسر الذي شيّده بكثير من الامل هو من اصعب الجسور التي اشرف على بنائها، نظرا لمحدودية الامكانيات المادية والبشرية التي توفرت له، اذ لم يساعده سوى أعوان الغابات بالمندوبية الجهوبة للفلاحة من خلال قطع الاشجار الجافة، ووجد نفسه وحيدا في مجابهة الاشغال كاملة مستعينا فقط بعاملين في شركته.
لم يثن التعب والاجهاد كريم، وضمد بندوب أصابعه وخدوشها نتيجة قص الخشب ونقله، جراح ومعاناة أهالي المنطقة، وخاصة الاطفال منهم الذين ظلوا لسنوات يواجهون مخاطر يهابها الكبار في عبور الوادي الذي يغدو مثل الوحش الكاسر في موسم الامطار فيعزل السكان، ولا يقتربون منه حتى ينخفض مستواه .
شعور بن عرفة بهذه المعاناة جعله يتعهد، منذ معاينته قبل مدة قصيرة وضعية العبور االخطيرة بهذا المعبر الجبلي الوعر، بإيجاد حل جذري له، بعد أن دب اليأس، ومنذ سنوات طوال، إلى قلوب سكان هذا المكان، وتبين بأن ذلك لن يتأتى إلا ببناء جسر يفك عزلة سكان المنطقة، وقد رفع هذا الشاب التحدي وانطلق بكثير من الاصرار في تحقيق حلم الاهالي الذي طال انتظاره.
أهالي المنطقة أكدوا ل(وات) معاناتهم منذ سنوات طويلة، من صعوبة ومخاطر العبور من والي الجبل للوصول إلى الطريق، وخاصة في فصل الامطار وعند ارتفاع مستوى الوادي، وهو ما يتسبب في حرمان أبنائهم من الذهاب إلى المدرسة، وفي تعطيل دفن امواتهم، او في رعي اغنامهم وابقارهم و وممارسة انشطتهم بشكل عادي.
بعيون لامعة، يراقب اطفال المنطقة سواعد البناء التي تشيد الجسر ، منتظرين بفارغ الصبر انتهاء الاشغال التي قد لا تتجاوز الاسبوعين، وفق تاكيد بن عرفة، وآملين أن تمحى من ذاكرتهم إلى الابد صعوبات ومخاطر عبور الوادي التي تكبدوها وهم وأباؤهم وأجدادهم لسنوات طويلة.
لا ينتظر بن عرفة جزاءا ولا شكورا، معتبرا ان هذا الجسر الرابع ياتي تتمة لجملة مبادراته صحبة فريقه، والتي قاموا فيها بإعادة بناء الجسور باستخدام هياكل السكك الحديدية والبقايا الخشبية والمعدنية، ولافتا إلى أن مبتغاه الوحيد هو رسم البسمة على وجوه الاطفال.
ويوجه كريم نداءه للاهالي وللمجتمع المدني بالمنطقة، وبجميع المناطق المعزولة، الى مدّ يد المساعدة له لتحقيق حلمه بإعانة أبناء المناطق المهمشة، وخاصة التي نسيتها برامج التنمية المختلفة.
ويأمل هذا الشاب أن تتكاتف الجهود من الجميع لتشجيع مثل هذه المبادرات التي لاتمثل في الواقع سوى نوافذ تسمح للنور أن يتسلل إلى القلوب التي اغرقها ظلام التهميش، خاتما بالقول “بدل ان تلعن الظلام اوقد شمعة تنير درب الآخرين”.