تونسية تتخلى عن الإعلام وهي في قمة نجاحها..لتقتحم مجال الزراعة بفكرة مبتكرة تقوم على زراعة الورود البيولوجية الصالحة للأكل
اختارت التونسية سنية إبيضي الشغوفة بالفلاحة منذ صغرها، بعد أكثر من عقدين قضتها في ميدان الإعلام والصحافة، اقتحام عالم الأعمال والمشاريع الزراعية من خلال زراعة نباتات طازجة وزهور صالحة للأكل.
كان حلم سنية الذي رافقها منذ نعومة أظافرها أن تخوض تجربة الاستثمار وأن يكون لها مشروع زراعي خاص بها، لكنها جانبت المألوف واختارت منذ عام 2018 الغوص في “عالم الزهور المعدة للاستهلاك الغذائي” أو كما تسمى بـ”الزهور الغذائية”.
وتحضّر مطاعم تونسية وصفات غير اعتيادية من سلطة البنفسج إلى الشاي بأوراق الفراولة مرورا بحساء الزهر، وذلك بفضل مشروع إبيضي الفريد من نوعه.
و”الزهور الغذائية” ورود وأوراق نباتات صالحة للأكل ولها فوائد عديدة، إذ تساعد بعملية الهضم، كما يمكن أن تكون مضادات للأكسدة ولالتهابات الجهاز الهضمي.
ويمكن تناول الزهور كجزء رئيسي من الوجبة كالخضروات أو من الممكن استخدامها كأعشاب، وهي تمثل جزءا أساسيا في كثير من الأطباق الإقليمية بما في ذلك الآسيوية والأوروبية والشرق أوسطية.
وأكدت سنية إبيضي في تصريحات سابقة أنها فوجئت بالإقبال الكبير على نباتاتها في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا، مبدية أملها في أن تسهم من خلال هذه الزهور التي تنتجها في إطلاق “ثقافة طبخ جديدة في البلاد”.
ويعتبر “إنتاج الزهور الغذائية مشروعا حلمت به طويلا ثم نفذته على أرض الواقع بعد أن درست جميع جوانبه، واخترت مدينة طبرقة مكانا مناسبا، باعتبار أن الزهور الغذائية تحتاج مناخا رطبا وطقسا معتدلا، وفق قولها، موضحة أنها اختارت مدينة طبرقة باعتبارها “من أنسب الأماكن لمثل هذا النوع من الزراعات، فالمنطقة تتميز بشتاء أطول ورطوبة مناسبة ومناخ ملائم وهو ما تتطلبه هذه الزراعة حتى يكون عمر الزهرة أطول”.
وكشفت “بدأت بخمسة أنواع من الزهور وطورتها إلى سبعة ومن ثم 15 لنصل اليوم إلى 21 نوعا تعد الأبرز في أطباق تقدم بأغلى الأثمان في أفخم وأفخر المطاعم”، متابعة “حاولت اختيار زهور تحمل فوائد عدة يحتاجها جسم الإنسان خاصة في وقت تزامن مع انتشار فايروس كو.ر.ونا وهو ما جعلني أبحث عن زهور فيها منافع وفيتامين سي”.
ولم تكن “ثقافة الزهور المعدة للاستهلاك الغذائي ومعرفة خصائصها ومنافعها ومختلف مفاتيح هذه الزراعة الأولى من نوعها، مألوفة في بلادنا لذلك أسعى من خلال هذا المشروع للتعريف بهذه الزراعة أكثر وترسيخ هذه الثقافة الغذائية”، بحسب إبيضي، مشيرة إلى أن تونس عادة تستورد بعض الزهور الغذائية المجففة من الخارج لاستعمالها في عدّة أطباق.
وتزرع إبيضي القصعين البري أو كما يعرف بلسان الثور وهي نبتة زرقاء ذات مذاق شبيه بالخيار، وكذلك الثوم المعمّر وهي نبتة بنفسجية بمذاق البصل، وخصوصا الكبوسين (أبوخنجر) ملكة الزهور الصالحة ذات الطعم القريب من الفجل.
وتطرقت صاحبة المشروع إلى بعض الصعوبات والعراقيل التي جابهتها، قائلة “تعرضت في بداية مسيرتي لمصاعب إدارية، فيما يتعلق بمنح رخص استغلال أراض كل حسب اختصاصه ومشروعه فتحصلت في البداية على أرض تابعة للدولة لكن سرعان ما نزعت مني لأتمكن بتحد من اقتناء أرض خاصة بي ومواصلة مشواري”.
حلم إبيضي كان يراودها منذ الصغر، ورغم تخصصها في مجال الإعلام وخاصة السياحي، إلا أنها كانت شغوفة بالزراعة منذ صغرها.
درست الإعلام وتخرجت، فعملت مراسلة للإذاعة الوطنية لسنتين سبقتها تجربة في “إذاعة الكاف” لمدة سبع سنوات، كما خاضت تجربة الصحافة الأجنبية، فشغلت مديرة مكتب “مجلة أخبار السياحة” المصرية وكتبت مقالات في “مجلة المسلة” (مصرية تهتم بالإعلام السياحي).
حصلت إبيضي على جائزة “القلم الذهبي” عام 2015 من “المركز التونسي للإعلام السياحي”، وأحرزت عام 2016 درع التكريم في الأردن، كما حازت عام 2017 على وسام التميز في الجنوب التونسي، إلى جانب تكريمات أخرى.
ورغم هذه الحصيلة من الجوائز والتجربة التي كانت تنحتها بخطى ثابتة، اختارت السيدة التونسية ترك كل ذلك جانبا والغوص في عوالم الزهور المعدة للاستهلاك، مؤكدة “تركت مجال الإعلام والصحافة وأنا في قمة نجاحي وتوجهت نحو مجال زراعة الزهور الغذائية”، مضيفة “كان تكويني في مجال الزراعة تكوينا عصاميا في البداية، ولكن تلقيت بعض الدورات التدريبية لأتعمق أكثر في هذا القطاع”.
وحصلت إبيضي عام 2021 على جائزة أفضل سيدة أعمال بالمجال الزراعي، أما في 2022 فحازت جائزة أفضل رائدة أعمال بولاية جندوبة .
وتقوم بتسويق زراعتها داخليا لبعض الفنادق والمطاعم الفاخرة ولمحلات المرطبات وأيضا لمختبرات الأدوية التي تنتج المكملات الغذائية.
أما على المستوى الخارجي، شرعت إبيضي كما تقول، بتصدير الزهور إلى فرنسا والجزائر قبل عام، كما رسمت أهدافا للتعامل مع أسواق خليجية وأفريقية في المستقبل القريب.
ظاهرة مستجدة على المطبخ التونسي
وسبق أن كشفت سنية “كنت أظن أن الزهور ستعدّ للتصدير ولن يكون هناك طلب عليها في السوق الداخلية، لكني فوجئت بالإقبال المتزايد خصوصا من بعض الفنادق الفخمة”.
وإبيضي بصدد إنشاء مطعم خصص للأطباق والمشروبات المعدة بالزهور الغذائية، وهو مطعم يراعي المعمار الذي يميز مدينة طبرقة ويعتمد على طريقة بناء صديق للبيئة يراعي الطبيعة.
ووفق المستثمرة التونسية، سيتمكن الزائر من “قضاء يوم بأكمله في هذه الربوع بالمساهمة في قطف الزهور وتجميعها قبل أخذها إلى المطبخ، حيث سيتم إحضار طبقه الخاص برفقة رئيس الطهاة”.
ويستخدم التونسيون بالفعل بعض الزهور في مطبخهم التقليدي، فبعض الحلويات تحتوي على بتلات الورد المجففة والتي يطلق عليها تسمية “شوش الورد”، في حين أن اللافندر “زهرة الخُزامى” تستخدم في تحضير “رأس الحانوت” (خلطة التوابل التقليدية ).
غير أن استخدام الزهور الطازجة التي يمكن استعمالها لإعداد أطباق من الحساء والسلطات وكذلك الشاي، تعد ظاهرة مستجدة على المطبخ التونسي.